قصة أصحاب الأخدود للأطفال / قصص دينية
قصَّةُ أصْحَابِ الأُخدُودِ لِلأطفَالِ .
كَانَ في اليَمَنِ مَلِكٌ يُدعَى زِرْعَة بن تُبَّان أسْعَد الحِمْيَرِي والمَعرُوفُ بذِي نُوَاسٍ ، وهُو من مُلوكِ اليمَنِ ، وَكَان ذُو نُوَاسٍ قَد اِعتَنقَ الدِّينَ اليهُودِي ، وكَانَ لهُ سَاحِرٌ شِرِّيرٌ يُرافِقُه ويُجَالِسُه ، ويُزينُ لهُ الظّلم والشرَّ حَتى اِدَّعَى ذُو نُوَاس الرُّبُوبِيَّة مِن دُونِ اللَّه تعَالَى !
ومَع مُرُورِ الزَّمنِ كَبُرَ السَّاحِرُ فِي السِّن ، وفكَّر أنْ يَطلُبَ مِن المَلكِ ذِي نُوَاس أن يُعطِيَهُ غُلاماً يُعلِّمهُ السِّحْرَ ، حتَّى إذا مَاتَ السَّاحِرُ ؛ يكُونُ هُناكَ مَن يَخلُفهُ .
فَأعْطَاهُ المَلكُ غُلاماً يُعلِّمهُ السِّحرَ ، وَلاحَظَ السَّاحِرُ أنَّه غُلامٌ ذَكِيٌّ نَبِيهٌ سَرِيعُ التَّعلُّم .
وفِي ذَاتِ يَومِِ كَانَ الغُلَامُ ذاهباً إلى السَّاحِرِ ؛ فَلقِيَ رَاهِباً فَجَلَسَ معَهُ وسَمِعَ مِنهُ ، أُعجِبَ الغُلَامُ بِكَلامِ الرَّاهِبِ النَّصْرَانِي ، ثُم اسْتَأذَنهُ وَأكمَلَ طَرِيقَهُ إلى بَيتِ السَّاحِرِ ، وفِي اليَومِ التَّالِي رَأَى الغُلامُ الرَّاهِبَ فَجَلسَ واسْتَمَع إِليهِ وَأُعْجِبَ بِعِلمِهِ ، وَاسْتَمرَّ الغُلَامُ يَتَعلَّمُ مِن الرَّاهِبِ ومِنَ السَّاحِرِ ، لَكِنَّ قَلبَهُ وعَقلَهُ كَانَ يَمِيلُ إلى الرَّاهِبِ .
وفِي ذاتِ يَومٍ خَرجَتْ دَابةٌ عَجِيبَةٌ وَقَطَعتْ طَرِيقَ الناسِ ، وَلَمْ يَسْتَطِع أَحَدٌ إِبْعَادَهَا لِخَوفِهِم مِنَها ، حِينَها قَالَ الغُلَامُ فِي نَفسِهِ : اليَومَ سَأعْرِفُ هَل السَّاحِرَ أفضلُ عِند اللَّه أمْ الرَّاهِبَ .. فَأخَذَ الغُلامُ حَجَراً وَدَعَى اللَّه تعَالَى قائلاً : اللهُمَّ إِن كَانَ شَأنُ الرَّاهِبِ عِندَكَ أفضَلُ مِن السَّاحِرِ فَاقتُلْ هَذِهِ الدَّابةَ بِهَذا الحَجَرِ .
رمَى الغُلَامُ الحَجَرَ فَسَقَطَت الدَّابةُ مَقتُولَةً ! أَيْقنَ الغُلامُ بِأنَّ الرَّاهِبَ النَّصرَانِي عَلى حَقٍّ .
أسْرَعَ الغُلَامُ إلى الرَّاهِبِ وَحدَّثهُ بِمَا رَأى ، فَقَالَ لهُ الرَّاهِبُ : سَيكُونُ لكَ شَأنٌ عَظِيمٌ يَا بُني ، وَسَتُبتلَى بَلاءً شَدِيداً ، أَسْألُ اللَّه أن يُثَبِّتَكَ .
وَمِن هُنا بَدأ الغُلَامُ يُدَاوِي النَّاسَ ويَشفِيَهُم بِإذْنِ اللَّه ، وكَانَ يَدعُوهُم لِلإيمَانِ بِاللَّه لأنهُ هُوَ مَن يَشفِيهِم ، فَكانُوا يُؤمِنُوا بِاللَّه وَيَدخُلوا دِينِ الغُلَامِ ، وَزَادَ عَدَدَهُم كَثِيراً حَتى مَرِضَ وَزِيرَ المَلكِ ذِي نُوَاسِِ ، فَجاءَ إليه الغُلَامُ وشفاهُ بإذنِ اللَّه تعَالَى ، ثُم دَعَاهُ لِيُؤمِنَ بِاللَّه وَحْدَهُ فَآمَن .
وَعِندَمَا عَادَ الوَزِيرُ المؤمن إلى قصر ذِي نُوَاس بعد أن شُفي ؛ سألهُ ذُو نُوَاس : كَيفَ شُفِيت ؟ قالَ الوَزِيرُ : شَفانِي اللَّه تعَالَى ، فَغَضِبَ ذُو نُوَاس لأنهُ كَانَ يَدَّعِي الرُّبوبيَِّةَ مِن دُونِ اللَّه ( عَزَّ وجَلَّ ) .
حِينَها أمَرَ المَلِكُ الظَّالِمُ بتعذيب الوَزِيرِ حتى دلهم على الغُلَامِ ، فذهب جُنودُ المَلِكِ إلى بيتِ الغُلَامِ وَقبَضُوا عَلَيهِ ثُم عَذَّبُوهُ حَتى دَلَّهُم عَلى الرَّاهِبِ ، ثُم قَبضُوا عَلى الرَّاهِبِ وَعَذَّبُوهُ حَتى قَتَلُوهُ ، ثُم قَتَلُوا الوَزِيرَ لأنهُ ثَبَتَ عَلى إِيْمَانِهِ بِاللَّه تَعَالَى ، وَبَقِيَ الغُلَام ..
وَهُنا أمَرَ ذُو نُوَاس جُنُودَهُ بِأَنْ يَأخُذُوا الغُلَامُ إلَى قِمَّةِ الجَبَلِ ثُم يُخَيِّرُوهُ إمَّا أنْ يَكْفُرَ بِاللَّه ، أو يَرمُوهُ مِن قِمَّةِ الجَبَلِ ، فَدَعَا الغُلَامُ ربَّهُ قائلاً : اللهُمَّ إِكْفِينِيهِمْ بِمَا شِئتَ وَكَيفَ شِئتَ .
وَفَجأةً اِهتَزَّ الجَبَلُ وسَقَطَ الجُنُودُ كُلهم وَمَاتُوا جَمِيعاً ، فَعَادَ الغُلَامُ سَالماً إلى المَلِكِ الظَّالِمِ ذِي نُوَاس وقَالَ لهُ : لَقَد كَفَانِي اللَّه شَرَّكَ وشَرَّ جُنُودِكَ ، اِسْتَشَاطَ المَلِكُ غَضباً فَأمَرَ جُنُودَهُ أن يَأخُذُوهُ فِي سَفِينَةِِ إلى عَرضِ البَحرِ وَيُلقُوهُ ويَقتُلُوهُ غَرقاً .
وَفِعلاً نفَّذ الجُنُودُ الأمْرَ لَكِنَّهُم عِندَما وَصَلُوا دَعَا الغُلَامُ ربَّه أنْ يَكْفِيَهُ شَرَّهُم فَاسْتَجابَ لهُ اللَّه تعَالَى ، وَأغْرَقَهُم جَمِيعاً إلَّا الغُلَام .
عَادَ الغُلَامُ إلى المَلِكِ وَقَالَ لهُ : أيُّهَا المَلِكُ لقَد غَرِقَ جُنُودُكَ ، وَإنكَ لَن تَقْدِرَ عَلى قَتْلِي إلَّا إذَا فَعَلتَ مَا أقُولُه لكَ !! -لَقَد هَدَى اللَّه تعَالَى الغُلَامَ لِطَرِيقةٍ يَجْعلُ النَّاسَ يَدخُلونَ فِي دينِ اللَّه ، ويكفرون بِالمَلِكِ الكَافِرِ - .
قَالَ المَلِكُ : ومَاذَا أفْعَلُ لِأقتُلكَ ؟ قَالَ الغُلَامُ : اِجْمَعْ النَّاسَ كُلَّهُم ، ثُم اِصْلِبنِي إِلى شَجَرَةِِ ، ثُم خُذ سَهماً مِن سِهَامِي هَذِهِ وَقُل : ( بِسْمِ اللَّه رَبِّ الغُلَامِ ) .
وَافَقَ المَلِكُ الكَافِرُ وَأمَرَ جُنُودَهُ بِجَمعِ النَّاسِ إِلَى سَاحَةِ المَدِينَةِ ، ثُم صَلبُوا الغُلَامَ إلَى شَجَرَةِِ ، وَجَهَّزُوا السِّهَامَ لِمَلِكِهم الظَّالِمِ .
حَضَرَ المَلِكُ ذُو نُوَاس أمَامَ النَّاسِ وَأخَذَ سَهماً ثُم صَوَّبهُ نَحْوَ الغُلَامِ وَلَم يَقُل ( بِسْمِ اللَّه رَبِّ الغُلَامِ ) ، فَلَم يَسْتَطِع قَتْلَهُ ولَم يُصِبْ هَدَفَهُ ، ثُم أعَادَهَا مَرَّةً أُخْرَى وَفَشَلَ ، فَقَالَ لهُ الغُلَامُ : لنْ تَسْتَطِيعَ قَتْلِي إلَّا إذَا قُلتَ : ( بِسْمِ اللَّه رَبِّ الغُلَامِ ) ، اِغْتَاضَ المَلِكُ الظَّالِمُ ، وَوَجَّهَ السَّهْمَ نَحوَ قَلْبِ الغُلَامِ وَقَالَ بِصَوتِِ عَالٍ ( بِسْمِ اللَّه رَبِّ الغُلَامِ ) ، اِنْطَلقَ السَّهمُ بِسُرعَةِِ وَأصَابَ قَلْبَ الغُلَامِ المُؤمِنِ ومَاتَ شَهِيداً .
حِينَهَا صَاحَ النَّاسُ جَمِيعاً ( آمنَّا بِربِّ الغُلَامِ .. آمنَّا بِربِّ الغُلَامِ ) اِلتَفَتَ المَلِكُ الظَّالِمُ إِلى النَّاسِ وَهُو غَاضِبٌ وَصَرَخَ فِيهِم ، وَلكِن لَمْ يَسْمَعَهُ أحَدٌ وَظَلُّوا يُرَدِّدُونَ كَلِمَة الإيْمَانِ بِاللَّه وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لهُ ، فَأمَرَ المَلِكُ الكَافِرُ عَلى الفَورِ بِحَفرِ الأَخَادِيدِ وَإشْعَالهَا بِالنِّيرَانِ ، وَرَمْيِ كُلَّ مَن آمَنَ بِاللَّه لِيُحرَقَ فِي النَّارِ .
وَهُنا ثبَّتَ اللَّه عِبَادَهُ المُؤمِنِينَ وَ وَقَفُوا أمَامَ هَذا الامْتِحَانِ بِعَزِيمَةِِ قَوِيةِِ وَلَم يَتَرَاجَع أوْ يَخَف أَحَدٌ مِنْهُم ، فَألقُوهُم الجُنُودُ فِي النَّارِ وَمَاتُوا عَلى الإِيمَانِ شُهَدَاءَ للَّه تَعَالَى ، حَتَّى جَاءَ الدَّورُ عَلى اِمْرأةِِ تَحمِل رَضِيعَها ، خَافَتْ عَلَى طِفْلهَا ونَفسِهَا لكنَّ اللَّه تعَالَى ثَبتَها بِأنْ أَنطَقَ لهَا طِفلَها فقَالَ لهَا : اِصْبرِي يَا أُمَّاهُ فَأنتِ عَلى الحَقِّ .
اِندَهَشَتْ الأمُّ مِن كَلامِ رَضِيعِهَا ، وهُنا ثبَّتَ اللَّه فُؤَادَها وصَبرَت حَتى مَاتَتْ شَهِيدَةً هِيَ وَطِفلهَا .